(١)
حكاية من بؤرة خارجية (وسط) دون السبر في أغوار القضية بشكل تفصيلي دقيق ..
في تهمة أعرضها لمجتمع لم يجد ميزان صحيح يقيس به نفسه !
لا يوجد إلا الرغبة الشديدة في إعلان و تفضيل طرف على آخر والدعوة على ذلك بكل الاسلحة المتاحة لفتك وتدمير ذلك العدو الاخر الذي يقع في الجهة الثانية من الحرب !
أتذكر تلك الحياة الدينية التي تتعاطف مع أبسط أبسط قضية تظهر على السطح في شأنها الديني ، لا أزال أتذكر تلك الاناشيد الجهادية التي تترنم بها إيقاعات الاصوات في الاذاعة الصباحية أو في حفلها الختامي ليذكرك بقضيتك التي لطالما ستناصرها وتنافح عنها بدمك و عرقك حتى الموت !
وكأن الحياة فقط انطوت عليها وحدها دون غيرها !
الانتفاضة الفلسطينة و مشاهد الحجارة التي كانت تمطر على ترسانة يهودي يختبئ خلف ساتر حديدي من وابل الرصاص البدائي على شكل ((حصاة)) !
مشهد محمد الدرة الذي يغطي إبنه من رصاص حقيقي وقنابل تنهال عليه وإبنه معا في قتل فاضح وواضح دون محاسب ولا رقيب !
التبرعات التي كانت تعرض على شاشة التلفاز مع عداد الارقام الذي يرتفع شيئا فشيئا مع كل تبرع يقوم به أحدهم في تنافس على إغاثة شعب مكلوم !
السيل الجارف من العدة و العتاد الذي أرسل لاغاثة ومشاركة الحرب مع الاسطول المشارك عدوانا على البوسة و الهرسك !
حملة المقاطعة الكاسحة والتي كانت على قلب رجل واحد بعد الرسوم المسيئة من دولة الدنيمارك لكل ما يصدر من هنالك من أجبان و غيره لم تكن مسبوقة لدولة تستورد أطنانا في رسالة شديدة اللهجة لكل ما يمس بأي شئ في شأن الدين !
المنابر و مناهج الدراسة و المجتمع كله ينافح عن قضاياه بكل إستماته فلا ترى طرف آخر يريد أن يفرض نفسه عليك بأفكاره وتطلعاته فقط هنالك موج واحد ورسالة واحدة وما عداها يوأد في أثره ، هذا إن وجد في الأصل !
ولكن وبعد كل ذلك هنالك شئ مختلف شيئا فشيئا يظهر صوت آخر مرفوض وغير مقبول ، يؤمن بالحرية و المساواة و الانفتاح على الشعوب مع تقبل الاخر ورفض كل ما هو في عباءة الدين بالجزئ أو الكلية !
سلاح الاعلام كانت وقوده وقوته في أول ظهور له !
(صفحات الورق) على الجرائد ، عمود كامل يكتب فيه أحدهم ، يعرف بعد زمن بميول هذه الصحيفة الورقية ، وتبدأ فتيل الحرب الكلامية الصحفية ، فهذه أنشأت تيارا تنشر فيه فكرة تؤمن بها بعد أن جندت الاخبار و الكتاب و الرسوم لهدف طالما آمنت به و تسعى إليه بالسلاح الناعم المباشر وغير المباشر !
يظهر على السطح فريقين الاول منهم واثق من جنده و عتاده بأفكاره الدينية الاصيلة والمتجذرة في المجتمع ، والاخر يسعى بشكل حثيث لتجنيد من سئم حياته السابقة و أراد الانضمام لجماعة أخرى متحررة ومؤمنة بتحقيق هدفها عاجلا أو آجلا مع سلاح ناعم جديد يلسع ويؤذي ولا يكون بالضرورة موضع فتك و دمار بادئ ذي بدء في حملته الجديدة !
التيار الديني يكيل الاتهامات ليقصي و يجرم ويحذر بل ويكفر من لم يكن معه !
يبدأ في إغاضة تيار التحرر الجديد فترى من ممارساته تموج في بحر واحد ، تتصاعد وتيرته الشنعاء لهجة وقوة وشراسة في كل مرة !
واحدة من التهم الموجهه من تيار الدين بأن هؤلاء قوم جدد وافقوا أن يخونوا الأمة بأجندة خارجية ودينية هدفها الأول (المرأة) وسحبها من الانغلاق نحو بوابة الانفتاح ، وهذه نتاج حتمية بحسب ما يعتقدون (الابتعاث الدراسي) الذي عصف في أبناء الامة وقام بغسل أفكارها فلم يكن زيد الذي خرج كزيد الذي عاد لوطنه سليما معافى .. !
أنت لا ترى في خضم هذه الامور فريقا وسط ، الفريق الذي يرى شرارات النار تقذف من فوق رأسه و من تحت أقدامه وهو يراقب !
بل لو كنت من الوسط لكنت ممن ينكشف على مصراعية في الهدف ، يراك أحدهم فيستميل قلبك نحوه بأفكاره و جمال أسلوبه ويرفض أن تبقى عالقا و جاهلا دون أن تجند إليه ، يمدحك في كل مجلس ، ويعرفك على بعضا ممن هو في فريقه قلبا و قالبا ، ويثني على أفكارك ويشدد منها إن كانت وفقا لدستوره الخاص ، ويشنع و يحرم ما ستقوله إن كان وفقا لشيئ آخر غير الذي ولد و سيموت عليه !
يبدأ الكثير من معتنقي الافكار الاسلامية ينسحب شيئا فشيئا ، من كان يثق ثقة عمياء في إمكانياته بدأت تخور قواه ويضرب من الاسفل بشدة ، خانه بذلك أسلوبه القوي الذي كان يدعي أنه آمر بالمعروف غير أنه كان ناه عن المنكر جملة و تفصيلا ، سقطت أعلام كانت في يوم ما من النخبة التي لا تمس !
أصبح غير مصدق وكل أفكاره في غياهب الجاهلية العظمى ، كانت أكبر سقاطته سوط لسانه الذي يقول ربي الله ، وينهيه بالتكفير و الطرد من جنة عرضها السموات و الأرض لذلك الفريق المناوئ في الجهة المقابلة والطرف الاخر من الحرب !
تصبح الاعداد شيئا فشيئا متساوية وعلى كف صفيح ساخن ، وما زالت تلك الفرقة الوسط مكشوفة الهدف ترى ذلك التراشق تكثر نيراه في تاره لدى جهة وتخفت في جهة أخرى !
الكثير ممن هو في تيار المنتصف لا يرى فائزا ، ولا غالبا و لا مغلوبا ، نار مستعرة لا تتوقف يخشى أن تمسه نار أحدهم فيكرهه و يمقته ليصبح مناوئ لآخر أو العكس !
هل سينتصر أحدهم في النهاية !
لا أحد أعلم !